روائع مختارة | واحة الأسرة | فقه الأسرة | البـــر لا يُبْـــلى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > فقه الأسرة > البـــر لا يُبْـــلى


  البـــر لا يُبْـــلى
     عدد مرات المشاهدة: 2139        عدد مرات الإرسال: 0

قُدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تبتغي إذ وجدت صبيا فى السبى أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها فى النار» قلنا لا والله وهى تقدر على أن تطرحه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها».

يغمرنى هذا الحديث عن الحبيب صلى الله عليه وسلم بمشاعر فياضة من الحنين والسكينة والآمان فسنين عمرى التى مضتت مُلئت بالرحمة من نبع الحنان من أم كان عطاؤها مما يعجز عنه قول اللسان فأجد قلبى يمتلىء ثقة وإيمانا برحمة الرحمن.

يقولون إن كل الأمهات يفضن حبا وحنانا على أبنائهن وإن كل الأبناء يذوبون تعلقا وحنينا إلى الأمهات، ولكننى كنت دائما أشعر أن قلب أمى قادر على إحتواء كل الأبناء بل كل من يقترب منها فمن قُدر له أن يلتقيها فهو ينهل من أمومتها وينعم بالسكينة بجوارها.

وقد كنت الأولى في ترتيب أبنائها وإغترفت من ينبوع حنانها، حيث كانت أمى ضعيفة البنية نحيفة القوام قوية الصبر شامخة العزيمة والحكمة وبهذا شهد لها كل من التقى بها.

ودائما ما كان حضنها يسكّن خوفى وروعى ويربط السكينة على قلبى.

حتى عندما كنت ألمح فى عينيها نظرة حزن وطيف ألم سرعان ما كانا يختفيان وكنت وقتها لا أدرك ما يدور إلا أن والدي قد ألمت به مشكلة فى عمله حيث أصيبت عيناه وإضطر للبحث عن عمل آخر وإستطاعت أمى بفضل الله ألا تجعل للحزن فى أسرتنا مدخلاً.

وحين أرجع بذاكرتى إلى الوراء حيث كنت ما زلت طفلة لم يتجاوز عمرها السبع سنوات كنت أراني بمنزلنا وأراها كالنحلة لا تكل ولا تتعب، تعد لنا ما نريد من طعام وترتب أشياءنا وكنا ساعتها أسرة مكونة من ستة أفراد، أنا وأخى الذى يصغرنى بعام وأختى التى تبلغ من العمر سنتين وأبى وأمى وتلك الزهرة الطيبة التى فتحت عينى على وجودها معنا وهى عمتى الصغيرة هكذا كنا ندعوها ورغم أنها كانت تكبرنى بعشر سنوات إلا أننا كنا يحلو لنا جميعا أن نناديها بذلك.

كم كانت تحب أمى وكانت تعتبرها عوضا من الله بعد وفاة أمها ودائما ما كانت تذكر أن أمى أصرت على أن تظل هذه العمة فى بيت والدى وأنها أولى بها من الجميع.

كان كل واحد مننا يستطيع ان يجزم بأنه الحبيب المفضل لدى أمى وجمعنا هذا الشعور على حبها حيث نتسابق فى التواد والتراحم فيما بيننا، وهى لكل منا كما يريد فهى الأخت الكبرى لتلك العمة، وتفانت فى إعدادها لبيتها الجديد حين تزوجت، وهى مصدر الحنان المتدفق لأخى وأختى.

أما أنا فكانت تصر على أن أصاحبها فى كل شىْ وتتكلم معى فى دقائق عن أمور الحياة ولا تكف عن تعليمى كل ما أريد وما هى تريد، وأصبحت بيننا أجمل لغة مشتركة وكم كنت سعيدة بمصاحبتها وكم إعتدت على مشاركتها لى فى كل مشاعرى، وكم كنت أراها حريصة على زرع الثقة والأمان بين أفراد أسرتنا.

وحين رحلتي يانور حياتى ولم أكن قد جاوزت المرحلة الجامعية وكان ما غرستى فى قلبى منذ صغرى من الإيمان بالله والرضا بقضائه وثقتى برحمته التى وسعت كل شيء، كان ذلك سلاحى فى مواجهة الجزع والحزن.

ويوم الرحيل أفقت على حضن تلك العمة التى جعلها الله خير عون لنا وبكيت فى حضنها كثيرا وأخذت تشد على يدي وتذكرنى بالإستعانة بالله وأن علينا أن نكمل المسيرة وأن ما زرعته أمى لن يضيع وأصرت على أن تأتى لتعيش بجوارنا وجعلت من نفسها ركنا قويا نلتف حوله ونورا يضيء لنا خطواتنا.

وها أنا قد أنهيت دراستى وأخى أيضا قد نال شهادته وبقيت الأخت الصغيرة يحيطها الجميع بالحب والحنان لتواصل دراستها.

ويبقى دائما فى ذاكرتى قولى لأمى أننى أحب حضنها وأشتاق إليه فترد علي إذا غلبك الحنين فأينما كنتي سارعى إلى السجود بين يدى الرحمن ففيه كل الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان.

الكاتب: تهاني الشروني.

المصدر: موقع رسالة المرأة.